هؤلاء النسوة على قدر ما صدمتني مواقفهن على قدر ما حفزتني لتسجيل وتدوين ما يمكن أن نراه عاديا في حين أنه لا يتطلب منا جميعا سوى إعمال العقل بعيدا عن كل المفاهيم البتراء مثل الخصوصية الثقافية أو الأصالة أو غيرها من أشكال قتل الفكر والإنسانية في الإنسان.
وقد يتصور البعض وأنني سأركز وأقتصر في تدويناتي على صور "احتقار المرأة " في مجتمعاتنا لذلك أقول وأنني سأكوّن بهذه التدوينات "باقة " تتكون من عناصر ثقافتنا التي بتفاعلها أصبح التخلف والجهل جزء لا يتجزأ من "العادي" و "الطبيعي" و "المقبول" اجتماعيا وسياسيا وتربويا واستشرافيا.
أحاديث نسويّة -2
يومها استوقفتني وأنا لا أزال في بهو الطابق الأول، فبقينا نتحدث ونحن نشرف على الساحة. وإذا بزميلة أخرى تركب سيارتها وتستعد للخروج، بدأت في السير إلى الخلف لتأخذ اتجاه باب الخروج. إلا أن زميلة ثالثة وهي التي كانت تتحدث معها ، كان ابنها يختبئ من صديقه وراء السيارة.
عندها صحت أنا والزميلة التي برفقتي لتوقيفها وللانتباه إلى وجود ابن الزميلة الذي ارتطم وسقط أرضا.
خلاصة ما حدث هو أن الزميلة التي كانت بسيارتها وبالرغم من عدم تفطنها لوجود أحد وراء سيارتها، كانت تسير بتروي وأوقفت سيارتها على الفور.
وبعد أن التحقنا بهم وسط الساحة واطمأن الجميع على ابن الزميلة . استقلت زميلتنا سيارتها واستعدت للخروج. وإذا بالزميلة التي كنت برفقتها تتوجه بالنصح والأمر والإفتاء للاثنتين، أي صاحبة السيارة والأم التي تعرض ابنها للحادثة، وتقول حرفيا : " يلزمكم الزوز تخرجوا خبزة خبزة صماة اليوم قبل المغرب، وكان ملقيتوش على شكون تصدقوها هزوها للجامع وفرقوها على المصلين وهما داخلين للصلاة." وهو ما معناه : يجب أن توزع كليكما خبزة على الفقراء – صماة – وان لم تجد فقيرا تتصدق عليه بتلك الخبزة فما عليكما سوى توزيعها على المصلين وهم يهمون بالدخول إلى الجامع للصلاة.
هذه الكلمة "صماة " هي ليست بغريبة عني، إلا أنني لم أسمعها منذ 30 سنة تقريبا.
عندها تعمدت السؤال عن الحكمة من مثل هذه العادة. فأجابتني بما لم أكن أتوقعه أبدا، وهو التالي: "انت وخيتي لا دين لا ملاة ولهذا مكش باش تفهم شمعناها واحد يشكر اللاه عن كوْنو نجّاه من مصيبة." وهو ما معناه: - أنت وبما انك ملحدة ولا تنتمين إلى أية طائفة فليس بإمكانك فهم ماذا يعني أن يتقرب شخص إلى الله ويشكره على اللطف به في مصيبته-
أريد أن أشير إلى أن علاقتي بهذه الزميلة جدّ طيبة وأتقبل منها في عديد المرات الضحك على الاختلاف الذي بيننا في مسألة الدين، فلم أكن أغضب منها ولا هي كذلك تغضب مني، ولكن في هذا الموقف شعرت بشيء مختلف وكأنها كانت على مستوى من الجدية والإيمان عند ردها لدرجة وكأنها تقول لي إن الموقف لا يحتمل لا الهزل ولا التغاضي على إلحادك وقبوله.
ونتيجة لمثل هذه المواقف والصور، فأنا لا أصدق أبدا "مسلما" عندما يقول لي وأنه يؤمن بالاختلاف أو أنه يؤمن بالأخر أو انه يحترم حقوق الإنسان ...... وهات من هاك الحديث إلي ما وراه كان حاجة واحدة وهي وصوله الى مبتغاه ومن بعد – كلام آخر
كما أنني أتساءل كيف يمكن لمربية كزميلتي هذه أن تتمتع بالكفاءة المهنية وتربي أجيالا على احترام الآخر وقبول الاختلاف وتنمية الفكر النقدي والعلمي وغرس روح الخلق والابداعي في ذهنية التلاميذ من دون أن تحشر القيم الدينية ، ان لم يكن في ثنايا الدرس فهو بالضرورة في مواقفها وفي كل ما هو غير لفظي لديها وهو ما لا يمكن أن يخفيه أي خطاب ولا قدرة لاي الزام اداري على توجيهه ومراقبته؟
فأين الحلقة المفقودة يا ترى؟
-