أحاديث نسوية-5 رجال قلوبها عامرة بالايمان
في صيدلية الأدوية الخصوصية بمستشفى العمران، وبعد أن اقتنيت رقما، جلست ككل الذين سبقوني أنتظر دوري. وجدت مقعدا شاغرا بجانب سيدة عجوز فهرولت إليه لاني أعرف وأن انتظاري سيطول بما أن قرابة العشرة أشخاص ممن سبقوني إلى المكان.
لحق ورائي مباشرة رجلان الأول في سن الخمسين والثاني لا يتجاوز الثلاثين من العمر، ليجلس الأكبر في المقعد الوحيد الشاغر بجانبي ويقف بجانبه مرافقه مستندا إلى الحائط.
وانطلق شبه حوار بين الاثنين، فقال الأول وهو الشاب: " زعما نزيدوا نتعطلوا حتى هنا؟ يالوكان يطلبوني في ورقة تطلع ما عنديش لما نروح للكاف وما نرجعشي لهنا مرة أخرى، ونمشي طول للمدّب في البلاد باش يحللي لكتاب لربما عاملينلشي حاجة وأنا كل مرّة نتعطل في حاجة ؟"
فأجابه مرافقه: " سبّق الخير ما تلقى كان الخير، واقرأ سورة الكرسي قبل كل قضية توّ بقدرة الألاه ما تتعطل في حتى ثنية."
ثمّ أضاف وهو ينظر اليّا والى السيدة التي بجانبي ليقول وكأنه داعية : " هانا نجريو ونلهطو من طبيب لطبيب ومن سبيطار لسبيطار ولاكن الشفاء ماهو الا بيد ربي وحدو سبحانو." فأجابته السيدة وكأنها تشكي همها: " أنا هاني عندي 14 سنة نجيء لهلبلاصة باش نأخذ الدواء الراجلي القاعد في كرسي، وكل يوم نحمد ربي صباح وعشية وفي كل صلاة على ما أعطاني لانو بالمرض ربي يجرب في قوة ايماننا."
فأجاب الأول وكأنه متلهف ليدعم كلام السيدة: " هذا صحيح ميا بالميا ياأمي، انتوما قاعدين تشوفو فيهم طبّة ومخترعين لأدوية ووو، هذا الكلو ما عندو حتى فايدة قدام ارادة ربي سبحانو. ونزيدكم زيادة باش تعرفوا قيمة الايمان ولطف وعظمة الخالق وهذه مجربة من وقت أجدادنا والي حكاهالي امام جامع قالي – أرمي حملك على ربك وخوذ دبوزة ماء صافية مسكّرة وحطها قدامك واقرأ عليها سورة البقرة مرة واحدة وان استطعت أكثر من مرة ومن بعد اشرب هاك الماء وبقدرة المولى تشفى من كل الأمراض."
بقيت أستمع إلى هذا الرجل وأنا فعلا مبهوتة.
فأنا لا أقلل من دور الإيمان في عملية الشفاء فهو وارد وممكن علميا بما أن الحالة النفسية للمريض لها نصيبها في عملية الشفاء في العديد من الأمراض مهما كانت درجة خطورتا المتصوّرة، ولكن ما لا يقبله عقلي هو التالي:
أن نحول الإيمان إلى جهل وظلال، إلي جبن وغبن، إلي كسل وكساد وعفن فكري...
أن ألحظ في يد هذا السيد مفاتيح السيارة والهاتف الجوال ويلبس سروال دجين وبلوزن كوير وصباط يلمع ثم يقول وأنو سورة البقرة هي الشافية من كل الأمراض، ماهواشي هذا أكبر وأخطر مرض على الإطلاق؟
لماذا لا يجعل المؤمن من إيمانه "محركا ودافعا" للفكر وبذل المزيد من الجهد ونقد الذات؟
المواطن العادي أصبح "كمشة " من التصورات البالية التي يسوق لها الإعلام بكل وسائله لتطول كلما تقدمنا في الزمن المسافة وما بين الواقع والممكن.