samedi 28 février 2009

أحاديث نسوية -5 رجال قلوبها عامرة بالإيمان



أحاديث نسوية-5 رجال قلوبها عامرة بالايمان
في صيدلية الأدوية الخصوصية بمستشفى العمران، وبعد أن اقتنيت رقما، جلست ككل الذين سبقوني أنتظر دوري. وجدت مقعدا شاغرا بجانب سيدة عجوز فهرولت إليه لاني أعرف وأن انتظاري سيطول بما أن قرابة العشرة أشخاص ممن سبقوني إلى المكان.
لحق ورائي مباشرة رجلان الأول في سن الخمسين والثاني لا يتجاوز الثلاثين من العمر، ليجلس الأكبر في المقعد الوحيد الشاغر بجانبي ويقف بجانبه مرافقه مستندا إلى الحائط.
وانطلق شبه حوار بين الاثنين، فقال الأول وهو الشاب: " زعما نزيدوا نتعطلوا حتى هنا؟ يالوكان يطلبوني في ورقة تطلع ما عنديش لما نروح للكاف وما نرجعشي لهنا مرة أخرى، ونمشي طول للمدّب في البلاد باش يحللي لكتاب لربما عاملينلشي حاجة وأنا كل مرّة نتعطل في حاجة ؟"
فأجابه مرافقه: " سبّق الخير ما تلقى كان الخير، واقرأ سورة الكرسي قبل كل قضية توّ بقدرة الألاه ما تتعطل في حتى ثنية."
ثمّ أضاف وهو ينظر اليّا والى السيدة التي بجانبي ليقول وكأنه داعية : " هانا نجريو ونلهطو من طبيب لطبيب ومن سبيطار لسبيطار ولاكن الشفاء ماهو الا بيد ربي وحدو سبحانو." فأجابته السيدة وكأنها تشكي همها: " أنا هاني عندي 14 سنة نجيء لهلبلاصة باش نأخذ الدواء الراجلي القاعد في كرسي، وكل يوم نحمد ربي صباح وعشية وفي كل صلاة على ما أعطاني لانو بالمرض ربي يجرب في قوة ايماننا."
فأجاب الأول وكأنه متلهف ليدعم كلام السيدة: " هذا صحيح ميا بالميا ياأمي، انتوما قاعدين تشوفو فيهم طبّة ومخترعين لأدوية ووو، هذا الكلو ما عندو حتى فايدة قدام ارادة ربي سبحانو. ونزيدكم زيادة باش تعرفوا قيمة الايمان ولطف وعظمة الخالق وهذه مجربة من وقت أجدادنا والي حكاهالي امام جامع قالي – أرمي حملك على ربك وخوذ دبوزة ماء صافية مسكّرة وحطها قدامك واقرأ عليها سورة البقرة مرة واحدة وان استطعت أكثر من مرة ومن بعد اشرب هاك الماء وبقدرة المولى تشفى من كل الأمراض."
بقيت أستمع إلى هذا الرجل وأنا فعلا مبهوتة.
فأنا لا أقلل من دور الإيمان في عملية الشفاء فهو وارد وممكن علميا بما أن الحالة النفسية للمريض لها نصيبها في عملية الشفاء في العديد من الأمراض مهما كانت درجة خطورتا المتصوّرة، ولكن ما لا يقبله عقلي هو التالي:
أن نحول الإيمان إلى جهل وظلال، إلي جبن وغبن، إلي كسل وكساد وعفن فكري...
أن ألحظ في يد هذا السيد مفاتيح السيارة والهاتف الجوال ويلبس سروال دجين وبلوزن كوير وصباط يلمع ثم يقول وأنو سورة البقرة هي الشافية من كل الأمراض، ماهواشي هذا أكبر وأخطر مرض على الإطلاق؟
لماذا لا يجعل المؤمن من إيمانه "محركا ودافعا" للفكر وبذل المزيد من الجهد ونقد الذات؟
المواطن العادي أصبح "كمشة " من التصورات البالية التي يسوق لها الإعلام بكل وسائله لتطول كلما تقدمنا في الزمن المسافة وما بين الواقع والممكن.

samedi 14 février 2009

La sécurité affective

Le 14 février, nous suggère de parler d’amour. De ma part, je préfère parler de « sécurité affective ».
La première raison, c’est que le mot « amour » renvoie à un chemin linéaire celui d’une liaison unique entre une personne de sexe masculin avec une personne de sexe féminin, cette liaison n’est autre que le rapport sexuel.
La deuxième raison, c’est que la pratique sexuelle a subit de multitude instrumentalisations de la part des cultures et selon BOURDIEU, toute culture n’est que « arbitraire ».
Enfin, troisième et dernière raison, c’est que je pense que « l’amour » synonyme de sécurité affective concerne toute personne et cela depuis la naissance jusqu’ à la mort !
Jusqu’à présent, les recherches scientifiques convergent plutôt vers les sciences génétiques et c’est compréhensif vu que l’âge de ces dernières n’est pas très significatif.
Tout d’abord, que signifie la sécurité affective ?
En bref, ça correspond à prendre très au sérieux les angoisses et les dilemmes existentiels de l’être humain à partir de ses traits universels, et cela de la part de toute institution : (qu’elle soit culturelle, éducative, ou autres).
Ces angoisses et ces dilemmes sont :
1- Le besoin d’être aimé ;
2- La peur d’être considéré comme un bon à rien ;
3- L’amour de la vie
4- La peur de la mort.
Ces quatre points définissent le degré de la sécurité affective qui marque chaque individu et qui surtout guide, commende et dirige son comportement et sa vision et le sens qu’il perçoit de la VIE.
Mais, le point culminant de cette sécurité affective reste sans équivoque, celui de régler le problème du désir d’une vie éternelle.
Il n’y a qu’une seule façon de moins souffrir de la brièveté de la vie : en établissant un lien satisfaisant avec l’autre. Ce qui correspond à la relation la plus permanente dont puisse disposer l’homme. Et cela seul peut dissiper la peur de la mort.
A partir de cette plateforme, l’individu peut renoncer à ses désir infantiles de dépendance et à parvenir à une existence indépendante plus satisfaisante ; (là je parle de l’individu dans ses différents stades de la vie).
Concrètement, je ne vois aucune sécurité affective qui peut aboutir à l’épanouissement de la personnalité individuelle et /ou collective, ni avec la religion et surtout avec l’islam, ni avec à la soumission aveugle aux règles sociales qui à travers des rituels accaparent notre énergie et détourne notre avenir et notre destiné !
Vous me dites : qu’elle est la relation entre l’amour et la religion ?
Je préfère répondre par une question :
« Expliquez- moi pourquoi si une personne qui croit à une résurrection et un jugement ultime après la mort, n’arrive –t-il pas à accepter sans gènes et sans préjugés que l’autre puisse voir la mort d’un autre œil ? »
Là réside le rapport entre amour et religion ! Le rapport entre épanouissement et illusion ! Entre réalisme et utopie ! Entre vivre et instrumentaliser la vie ! Entre chercher à voir et s’entêter à ne pas voir !

vendredi 6 février 2009

" التوريست والعرب ومرّ الكلام"


" إذا كان الآخر شيطانا فهذا لا يعني بالضرورة أنني ملاك."

إن الشعوب العربية والإسلامية لن تتحضر ما لم تقبل بوجود الآخر ولم تعي حركة الزمن والتاريخ.

السؤال : هل هذه هوية أم عنصرية وبالتالي جهل؟

من ذكريات الطفولة المفارقة والتي انطبعت في ذاكرتي وطبعت فكري ووجداني، ما لقيته من جهة من حب وحنان ورعاية واحتضان واهتمام وعناية... من قبل والدا يا وكذلك في نفس الوقت من قبل جدي وجدتي لأبي اللذان كنت أقضي معهما أوقاتا حلوى وممتعة لدرجة أن جدتي طلبت من والدايا السماح لها بأن تتبناني رسميّا نظرا لان أمي قد أنجبت ولدا وبنتا من بعدي.

وما كانت أمي، من جهة أخرى تمازحني به من قول تعليقا على لون بشرتي الذي يصبح داكنا في فصل الصيف وذلك للساعات الطوال التي أقضيها في البحر اما للسباحة واما لصيد السمك مع جدي، فكانت تقول لي وتكرر دائما، وفي اعتبارها وأنها تمزح مع ابنتها الكبرى لتقول ما يلي:

"أنت لست ابنتي، أنت ابنة العرب. وجدتك في الواد، تركك العرب عندما رحلوا عن المكان فأخذتك أنا رأفة بك ورعيتك وربيتك ... انظري الى قشرتكي (بشرتك) انها كحلة مثلهم ..."

طبعا أن تتكرر مثل هذه العبارات والمعاني المسيئة والمهشمة والمذلة ... على مسامع طفلة في سن الرابعة تقريبا الى بدايات المراهقة، زد على ذلك أنها صادرة من الام بالذات وليس شخصا آخر ... مثل هذا الكلام سوف يطبع في الذاكرة صورا وأسئلة وانفعالات ويؤسس لردود أفعال وسلوكات يقودها في الغالب اللاوعي بما خزنه بنسيجه الفكري من آلام وحيرة وما ترتب عن ذلك من متاهات وجودية.

الا أنني، وعلى العكس تماما، أذكر وبجلاء ووضوح تامين وأنني ، وربما لما كنت ألقاه من حب ورعاية واهتمام من قبل كل المحيطين بي، مما خلق بداخلي توازنا عاطفيا وذهنيا واحساس بالهدوء والامان والمتعة ما بين الاهل والبحر والبستان الذي أهتم به برفقة الجدة، الامر الذي نمّا ثقتي بنفسي وخلق لديا مناعة قوية صمدت وتفهمت مثل هذا السلوك اللاتربوي والمستفز والمهين حتى وان صدر عن أمي، كنت لا أصدق مثل هذا الكلام ولا يحيرني ولا يخجلني ... بل ما كان يحصل معي هو أمر آخر كنت أناقشه مع نفسي في صمت، وها أنا اليوم مستعدة لمناقشته مع الجميع وبصوت عال، كنت أتساءل حول من نطلق عليهم اسم "العرب" وما يحوم حول هذه التسمية من معاني الاحتقار وحتى الاشمئزاز. فكان هذا التوصيف يطلق من قبل الجميع كبارا وصغارا عندما يراد التعليق على هندام طفل الملوث والمتسخ فيقال له : "اممسخ كي ولد العرب." أو عندما يراد التعليق على الفوضى في مكان أو غرفة أو منزل، فيقال : " امفرفش كي gorbi العرب"

أما حين يراد التعليق على طفل غير مجتهد في الدراسة، فيقال له : " لا يقرأ ولا يكتب كي العربي. " الى آخره من المواقف والعبارات والتعليقات التي كانت تستفز تفكيري وتلح عليا بالسؤال عن أسباب الاختلاف والفروق الواضحة بين ما أعيشه مع أهلي وعائلتي الموسعة وجيراننا وبين ما لأراه من تلك الفئة من الناس التي تعتمد الترحال في حياتها وتأتي لتقيم لفترة قصيرة في الواد أمام منزلنا وتكون محملة بخيمتها وماشيتها ... وكل ما يلزمها لتقيم لفترة من الزمن تجمع خلالها الحطب لإعداد الفحم وبيعه ثم تنتقل إلى مكان آخر، لا أعلم الى أين لتعود ربما في السنة القادمة ربما نفس الأشخاص وربما "عرب" آخرون ... فلا يذهب أطفالهم إلى المدارس ولا يعملون في مهن قارة ...

وفي المقابل أيضا كنت أشاهد وألتقي و أتحدث وأتعايش مع السياح الفرنسيين خاصة أو من يتكلم اللغة الفرنسية، التي تعلمتها مع جدي شفويا ودرستها في المدرسة منذ السنة الأولى ابتدائي تبعا لنظام السبعينات، وهذا الأمر كان يزيد من إلحاح الأسئلة في رأسي حول أسباب الاختلافات والفروق بين ما نسميهم ب "العرب" وبين "السياح" الأجانب ، وبين ما أعيشه من قيم ومفاهيم ودلالات ومحرمات وعادات ... تختلف عن من هم يتكلمون مثلنا اللغة العربية وكذلك عن من هم لا يتكلمونها مثلنا.

وبما أنني أتقن اللغة الفرنسية الى حد يكفيني لاجراء حوارات مطولة وبناء صداقات مع السياح، فكرت وقتها في فرضية للحل هو أنه اذا كنت أريد يوما ما العثور على تفسير مقنع وحل مرضي عليا أن ألغي التفكير في مسألة ودور اللغة في القضية التي تؤرقني منذ بدايات الطفولة الواعية الحائرة.

فلا أظن بل وأصبحت مقتنعة وأنه ليس للغة أي دور في صناعة وصياغة الاختلافات والفوارق بين البشر بل ربما وهذا ما تأكد لي لاحقا وأن البشر أنفسهم والنظم الاجتماعية التي يؤثرونها من يخلق ويصنع ويقيم ويؤسس للفوارق بين الجنس البشري والتي من ضمن دعائها القوية اللغة، وهنا أقصد كل الفوارق وأهمها وأولها هي الفوارق التي اختلقت بين الرجل والمرأة وهو أول الفوارق وأول قيم الاستغلال والاستعباد وثاني الفوارق هي الفوارق الطبقية الاجتماعية. فبعد أن كانت المجتمعات متعايشة باختلافاتها في أمن ونماء مؤقت على الأقل خلقت في المجتمع الواحد الطبقية من أجل السلطة والنفوذ واستعباد الآخر وسلبه خيراته مقابل التأمين لهم للسلامة من الأمراض والأخطار وغضب الآلهة.

أما ثالث الفوارق هو كان نتيجة الحروب والغزو والسطو، وهو التهافت باسم التفوق الحضاري على تحقير شعوب لشعوب وأمم لأمم أخرى وتمييز قوميات على أخرى...

فما كان متفق، أثناء طفولتي، على توصيفه ب "العرب" أو "عربي" هو الوسخ والشجار بصوت عال والخصام بالأيادي والعصي والحجارة وتبادل الكلام البذيء والشتائم والعيش في أماكن قذرة بخوار الحيوانات من كلاب وأغنام وحمير وبغال ...

وما كان متفق على توصيفه بالفرنسيس أو "التّورست"هم الضيوف أصحاب الملابس الأنيقة النظيفة والعطر الذي يسحر حاسة الشم لديك من بعيد وطوال تواجدك مغهم وخاصة خاصة الكلمات الساحرة واللطيفة التي يتلقاها الجميع وفي كل الحالات وأهمها " " وكذلك عبارة Bonjour et – Merci" على الإطلاق هي كلمتي

التي تبدأ بها كل جملة وكل سؤال أو طلب أو عبارة .S’il vous plaît ”

فأنا لم أتعلم كلمة " شكرا" أو عبارة " من فضلك" باللغة العربية إلا في سن الكهولة لأنني كنت لا أعرف استعمالها إلا باللغة الفرنسية ولا تبدو لي حاملة لمعنى إلا بالفرنسية. زد على ذلك تبادل الهدايا، إضافة إلى الحوارات الفكرية الهادئة حول القيم والعادات الاجتماعية والثقافية الخاصة بمجتمعاتنا أو مدننا. فكنا نستظيفهم في منازلنا ونقدم لهم الكسكس والشاي ...

في حين لأن العرب لا نسمح لهم أبدا بالدخول إلى منازلنا ولا يتخطون عتبة المنزل وذلك خوفا من السرقة. فكانوا عندما يطلبون منا أحيانا أن نزودهم بماء الشرب، كانت أمي ترفض ذلك وتطردهم فأعمل على مدهم بالماء خلسة.

وللتوضيح، إننا لم نكن عائلة مرفهة ماديا بل كنا من الطبقة المتوسطة: أبي عامل في البناء وكان سكيرا وأمي تشغل بالخياطة في المنزل.

ولا لاعتقد وأنني أضيف شيئا جديدا أو اختراع م محض الخيال، فكل تونسي أتم على الأقل دراسته الابتدائية يعرف وأن الشعب التونسي هو شعب اختلطت فيه خلال حركة التاريخ للعالم القديم الجنسيات والثقافات إضافة إلى السكان الأصليين أي البربر.

واليوم وبعد اكتشاف العالم الجديد أو لنقل وبعد تعرفنا إلى عالمنا ككل متكامل من الشعوب والأعراق والثقافات وخاصة الحضارات، أقول خاصة لأنه ليس لكل ثقافة سبيل إلى الحضارة . فالحضارة لا يمكن أن تولد وتبرز في التاريخ إلا إذا اجتمعت في ثقافتها أبعاد من أهمها البعد الإنساني الثوري والبعد العلمي التقني ومن دون توازن وتكامل بين هذين البعدين لا يمكن أن تسمى أو أن تولد عنها "حضارة" من ثقافة ما. فالثقافة هي تنظيم من القيم والمبادئ والأخلاق والقوانين القائم الذات حتى لدى العصابات. عصابات القرصنة والسطو والاستغلال والاستبداد... وهذه الأخيرة لا يمكن لها أن تؤسس لحضار.

.

mercredi 4 février 2009

أحاديث نسوية – 4

جراح تتحد الموت وبنى ثقافية متراكمة


سيدة لم ألتقي بها سابقا سوى مرة واحدة ولمدة دقائق في بيت ابنها، الذي هو جارنا وصديق عزيز لزوجي. أبهرتني تلك السيدة، على الرغم أنني لم أتحدث إليها إلّى قليلا وفي حوار عادي جدا، إلا أنها تجلبك لا محال بهدوئها ورقتها، فهي قليلة الحديث، تقرأ على وجهها وحركاتها وابتسامتها ما تكتنزه من صبر ونظافة ودقة في أبسط التفاصيل. إنها فعلا ممن تجلب الانتباه وتفرض عليك احتراما وتقديرا.

منذ أيام توفي زوجها، وعلى الرغم من المسافة التي تفصلنا عن مقر سكناها (120كم تقريبا)، إلا أنني أصريت على مرافقة زوجي لتعزية تلك السيدة واللقاء بها ثانية. وعندما وصلنا إلى بيتها وجدناهم يستعدون لإخراج الميت لإجراء عملية الدفن، إلا أن مشكلا أدخل الفوضى والبلبلة بين الحاضرين : المشكل هو أن تلك السيدة ترفض رفضا قاطعا الدخول إلى زوجها الميت والتقدم له بعبارات " السماح" . فالعادات والتقاليد الاجتماعية تفرض على الأقارب (الزوجة والأبناء والإخوة وحتى الأصدقاء المقربين ...) التقدم أثناء الوداع الأخير للميت بعبارات التسامح المتبادل من الطرفين ويسمى هذا التقليد ب "السماح" أي أن المتوقع والمنتظر هو أن تدخل الزوجة لزوجها المتوفى لتسامحه على كل ما يمكن أن يكون هو قد أساء به إليها وهي في نفس الوقت تطلب منه أن يسامحها على ما يمكن أن تكون قد أساءت به إليه.

إلا أن هذه السيدة تصر وبتحد للجميع على أن لا تدخل إلى زوجها وأن لا تودعه وذلك لأنها وكما تقول وتكرر أنها لا تقدر على أن تغفر له ما فعله بها لمدة أربعين عاما.

وكنت أجلس في مكان بعيد عنها إلا أنني لم أتمالك نفسي أمام إلحاح ابنيها على الاقتراب منها ومسك يدها لأقول لها أنه مهما كان الذي فعله معك فهو لن يقدر بعد اليوم على تكراره ولهذا فما ستقوم به هو فقط واجب تقتضيه العادة ليس أكثر. إلا أن كلامي وعبارات التأنيب التي كان ابنها يتلفظ بها من حين لآخر وهو غير مصدق لما يحدث وكلام الحاضرين من الأهل والجيران لم يغير شيئا من موقف هذه السيدة فهي تقول وتكرر بالحرف الواحد : " أنا لا يهمني ما يقوله أي إنسان عني فما عانيته مع ذلك الإنسان لن تقدر الجبال على تحمله ولهذا فمهما سيحدث ، المهم بالنسبة لي هو أنني لا ولن أسامحه أبدا و أنا أعرف وأن الله وحده هو الذي يتفهم ويتقبل موقفي ويعذرني بل وحتى يطلب مني ذلك."

واستسلم الجميع لإرادتها، وأخرجوا الميت من منزله من دون أن تودعه وتسامحه زوجته ورفيقته لأربعين عاما.

وذهب زوجي مع الرجال لإجراء عملية الدفن وبقيت أنا مع بعض النسوة رفقة تلك السيدة "الغريبة" بالنسبة للبعض من الحاضرات أللوات تقرأ على شفاههن بسهولة عبارات "اللطف اللطف اللطف".

ولكن هذه السيدة كانت على درجة عالية من الشجاعة والمسؤولية والألم أيضا ما جعلها تنطلق في الحديث وهي من حين لآخر تمسح ما ينهمر على خدها من دموع وكأنها لا تقبل بأن تذرف ولو دمعة واحدة عليه لأنه وكما تقول "هو لا يستحق أن أبكي على فراقه."

لمدة أربعين عاما عاشت هذه السيدة مع زوجها في حالة رعب مستمر وإهانات يومية ومعاملة لا أتصور وأن هنالك من يعامل بها حتى العبيد.

كان من عادته مثلا وأنه يعود إلى البيت في منتصف النهار للفطور إلّى أنه ووفقا لطبيعة عمله كانت لا تعرف متى سيأتي للفطور فربما قبل منتصف النهار وربما بعده وربما هو لن يأتي إلا عند العشاء. إلا أنه وفي كل مرة يعود فيها للفطور ولا يجده " بانتظاره" ويجدها تمسح البيت وتنظفه والفطور مازال على النار، تصوروا ماذا يفعل؟ انه يذهب إلى الحديقة ويملا التراب في صطل ويذرفه في كل أرجاء المنزل وحتى فوق الفراش وفوق الطاولة وفي الإناء الذي تعد فيه الطعام. وهذا لم يحدث مرة أو اثنان أو ثلاثة بل حدث عشرات المرات وهو يقول لها في كل مرة : "عليا أن أربيك، لتتعلمين كيف تعدي لزوجك الطعام حين قدومه." ثم يركب سيارته ويذهب لتناول الفطور في المطعم.

كانت هذه السيدة لا تملك، كما هو متوفر الآن، آلة غسيل للملابس. وهي لديها أربع أبناء من الذكور وليس لها بنتا تساعدها كما هو الحال في مجتمعنا وفي كل المجتمعات الذكورية. وعندما يتجمع لديها الكثير من الغسيل غداة ذهاب الأب والأبناء إلى الحمام مثلا، قبل الذهاب إلى النوم تذهب إلى فناء المنزل وتنقع في الماء الملابس كل مجموعة في صنية (الملابس البيضاء لوحدها – السراويل لوحدها – الملابس الصوفية لوحدها -... ) ثم تذهب للنوم. إلا أنها ولمرات متكررة لمّا تفيق في الصباح الباكر لتستعد لما ينتظرها من غسيل لا تجد شيئا فتذهب إلى الحديقة لتجد وكالعادة كل الملابس في التراب وقد " رفسها زوجها برجليه رفسا مبرحا في التراب." لماذا؟ هي أيضا لا تجد تفسيرا لمثل هذا الصنيع. ففي كل مرة تسأله لماذا فعل ذلك؟ كل ما يرد به عليها هو أنه عليها الاعتناء به والعمل على خدمته مادام هو في المنزل.

وتتذكر بمرارة وألم اليوم الذي جلبت فيه من بيت عائلتها آلة الخياطة التي اشترتها بمالها الذي جمعته من عملها، يومها لمّا دخل إلى المنزل ووجدها جالسة على المقعد تخيط فستانا لإحدى الجارات، ذهب بكل برودة إلى المطبخ وعاد ومعه قارورة الزيت ونقعها على رأسها وعلى الفستان وقال لها : " هذا كي تتعلمين أن لا تعتني بأحد سوايا في حياتك ." الأمر الذي جعلها تعيد آلة الخياطة لبيت عائلتها وتتركها لأختها إلى اليوم.

إن ما تعلمته من هذه السيدة هو وأنه مهما كان النمط الثقافي الذي يحيط بالإنسان ومهما كانت ظروف حياته، فالقيمة الحقيقية للشخص، الصامدة أمام كل الأهوال والبشاعات، هي ما يكبر في عقله وروحه من صبر وإيمان داخلي بالذات وبالقيمة الإنسانية التي تجعلنا نتحمل الظلم وفي نفس الوقت نتحداه ونتحد الموت إن لزم الأمر ونتحد الواجب والنظام الاجتماعي برمته. وأنه بمواقف كموقف هذه السيدة يمكننا أن نأمل ونبني للتغيير الاجتماعي.

كانت هذه السيدة على درجة عالية من الوعي والحكمة والرصانة وتجعلك تحترم موقفها الرافض ل "السماح " من هذا الزوج الذي أذلها وأهانها طوال حياته.

هذا الموقف لست أعيشه للمرة الأولى وإنما للأسف قد حدث وأن شاهدت إحدى الأقارب وهي بالطبع سيدة ترفض ما رفضته هذه السيدة.

وأضافت في آخر حديثها وأنه قبل موته بأشهر سجل المنزل الذي تسكن فيه هذه السيدة طوال عمرها ، سجله باسم ابنه الأصغر، أي أن هذه السيدة قضت كامل عمرها لخدمة زوجها وأبنائها وهي تتحمل الإهانة تلو الإهانة وهي اليوم محكومة بالعيش في منزل تعتبر غريبة عنه لان خطيبة ابنها الأصغر اشترطت لإتمام الزواج أن تسكن هذه السيدة أي حماتها في غرفة منفصلة عن المنزل كي تقبل بوجودها معها في البيت.