العمل والتعليم والجنس هي المتغيرات الثلاث التي تقوم على أساسها معادلات التنمية والتقدم والتحرر للمجتمعات البشرية.
فبقيمة العمل وبقيمة التعليم وبقيمة الجنس يمكن لمجتمع أن يؤسس جهاز مناعة يحميه من السير باتجاه عكس الزمن ويحميه من الاهتراء والتشتّت والذوبان. وما حال الدول العربية والإسلامية في هذا الزمن هو خير مثال على ما يمكن أن يصيب أي مجتمع بشري لا يحترم هذه القيم الثلاث.
وما حدث في حرب إسرائيل على غزة هو صورة لما ينتظر كل من يعوّض قيمة العمل بالتّواكل على الله، ويعوّض قيمة التعليم بالتّعاليم الربّانية الغيبويّة الميتولوجيّة المهدمّة للذات البشرية، ويعوّض قيمة الجنس بجعله آلة دوس لكيان المرأة واحتكارها للممارسات الحيوانية وللخدمة ولتكون كذلك آلة طيّعة للتّفريخ من أجل تحقيق الانفجار السكاني للانتصار على أعداء الله بأجساد عارية وعقول لا تفكر إلا في الغزو والحرب والجهاد.
أحاديث نسوية -3 سأجمع فيها قدرا من الشواهد على الجذور التي ترتوي منها شجرة التخلف والاعتلال والمرض في مجتمعنا التونسي الذي طالته العدوى.
هذا المجتمع الذي وبإرادة سياسية في بداية الستينات خطى خطوات هائلة في طريق التنمية والتقدم، إلا أنه وبعد عقود استيقظ الفيروس الإسلامي في جسده.
أمّا السبب في ذلك هو ليس سببا واحدا بل قائمة من الأسباب والتي لا تتصدرها "السلطة السياسية ". فأنت بامكانك أن تنتقد أي نظام سياسي في هذا العالم لتشكك في كفاءته وحتى في مشروعيته، وتبرهن على تسلطه وعمله المباشر أو غير المباشر على إعادة إنتاج الفروق الاجتماعية بل وتعميق الهوة بينها. الا أن هذه السلطة السياسية ليست قائمة بذاتها أو نزلت من السماء. إنها تجسيد لإرادة ورؤية شعبية لمفهوم السلطة ولدورها ولمقاييس ومعايير شرعيتها.
فكفانا بحثا عن " أسباب بديلة " تشرع للركود والبلاهة والانتهازية...
عندما تفرغ المرأة عملها من قيمته!
حضرت منذ أيام حفل تكريم لزميلة أحيلت على التقاعد. وقبل الموعد المحدد لهذا الحفل بأسبوعين تقريبا، حاول الزملاء الذين أشرفوا على إعداده الاتصال بأكبر عدد ممكن من الزملاء والزميلات الذين عملت معهم هذه الزميلة في وقت سابق. وبالطبع فحفل التكريم أقيم بالمؤسسة التي تعمل بها حاليا.
وجاء يوما الاحتفال، وبالتنسيق مع بعض الزملاء والزميلات توجهنا إلى مكان الحفل، ويا ليتني ما كنت هناك!
أول من استقبلنا عند الدخول كان زميلا مكلفا بتوجيه القادمين إلى القاعة المخصصة للحفل وهذا طبيعي، ولكن أن يشير عليك أين يجب أن تجلس في مناسبة كهذه، فهذا أول ما دعاني إلى الاستغراب! فقد قسمت القاعة الفسيحة إلى نصفين: النصف الأمامي خصص بالطبع للرجال والنصف الخلفي هو للنساء، كما هو الحال في أماكن العبادة عند المسلمين دون غيرهم من البشر ! وفي احتفالات الأعراس في الأرياف! وكأنه من العيب والغير أخلاقي أن يجتمع ويختلط مربين ومربيات في مكان واحد دون أن يكون الشيطان والجنس المحور الرئيس للتواصل بينهم.
وجلست إلى جانب زميلات لم ألتقي بهن منذ سنوات عديدة، وبمضي اللحظات الأولى المخصصة لاستعراض ذكريات مضت لأحداث ومواقف رسخت في البال ،وإذا بالزميلة التي من أجلها حضرنا تقول: " لو كنت تزوجت من رجل ميسور الحال ماديا لما تركت بيتي طيلة هذه السنوات ، فالحاجة إلى المال لتربية أبنائي ومساعدة زوجي في نفقات البيت هو السبب الوحيد الذي جعلني، بعد إنهاء تعليمي وزواجي، أترك بيتي لالتحق بالتعليم من أجل المرتب لا غير ! "
فردت عليها زميلة لا أعرفها لتقول: " والله والله أنا أحسد النساء أللوات لا يعملنا، فهن معززات مكرمات لدى أزواجهن، ولا يتحملنا ربع أو خمس ما نتحمله نحن النساء العاملات من شقاء وعناء: فهن يقمنا بأعباء البيت ومراقبة الأولاد ويجدنا الوقت الكافي لمشاهدة المسلسلات ! "
فقلت لها :
" ألا تشعرين بقيمة دورك في الحياة كمربية من ناحية لشخصك ومن ناحية أخرى للمساهمة في تنمية المجتمع الذي تنتمين إليه ؟ ألا تحبين عملك ؟ ألا ترين وأن التعليم هو مهنة محورية للتقدم الاجتماعي ، أوليست مهنة مقدسة؟ "
فأجابت وهي تكاد تختنق من شدة الضحك وقالت:
" يا ناري يا أختي ! هو أنت مازلت تتصور وأنوا التعليم مازال على الأقل يوكل الخبز؟ قدكشي مازلت تحلم ، أعطيك مثالا ،فأنا وزوجي ندرس في المؤسسة وندرّس في البيت كامل أيام الأسبوع ولدينا ولدان في سن الدراسة ولا نملك إلى اليوم وبعد 14 سنة عمل بيتا يأوين ! "
وتكلمت سيدة تنتظر في يوم السعد يوم تنهي سنوات الخدمة لتتحصل على راتب التقاعد لتقول التالي :
" نحن أمة أسلامية جعل فيها الله الرجال قوامون على النساء وهل تردن يا ...ب أكثر من ذلك راحة وصونا لكرامتنا كنساء ونحن على ذمة رجالنا الي همّا أكبر وأعظم سترة للنساء ، وجعل جنة المرأة تحت أقدام الزوج فما عليكن يا نساء الإسلام إذا أردتن ضمان الجنة إلا أن تشبعنا أزواجكن من الأكل ومن الجنس والباقي كلام زايد! وهما أشنوا صنعوا الدول المتقدمة، كلهم مثلنا يأكلون ويمارسون الجنس وينامون ثم يموتون وما يبقى سوى وجه الله مالك هذا الوجود! ".
فتقدمت سيدة وهي تلتفت إلى من هم حولها وكأنها ستقول سرا خطيرا لتهوي برأسها بيننا وتقول :" تهم حتى في الفرش يفدّدوا ويطلعوا الروح، لو كنت رجلا لوريتكم يا نساء آش معناها جنس أما الله غالب ربي خلقني مرى. أستغفر الله ! أستغفر الله ! أستغفر الله ! أنتم النساء ديما جرتكم تهز للغلط ، توّ ترصيلي على هلكلمتين الي قلتهم نصوم 3 أيام وهات ربي يغفرلي ! "
للحديث بقية …
عدت إلى البيت وبحلقي "غصة " ولم أجد في ذهني سوى عبارة تتردد من دون وعي مني وهي التالية : " سرقت مني هذه النسوة كل السنوات التي قضيتها معهن ، هن سرقن ذكرياتي معهن، سرقنا إيماني بمهنتي ، سرقن إيماني بشباب المستقبل ، سرقن شغفي ولهفتي للتحرر والتنمية والتقدم لمجتمع له كل مقومات النجاح والتقدم ، سرقن الأمل من روحي ..." .
ندمت لحضور ذلك الحفل، وبعد مرور أيام من الحداد واليأس هاأنا أدون وسأدون وأدون لأخلق الأمل في نفسي وفي عقول نساء أخريات مثلي لان الصمت هو الخنوع والرضوخ و الموت. ولن أموت حتى أقول كل ما لدي،ولست في حاجة لكي أكون مفكرا أو أديبا أو كاتبا أو ... كي أستعرض وأنقد ما لا يعجبني في مجتمعي العليل !