mercredi 21 janvier 2009

أحاديث نسويّة – 3

العمل والتعليم والجنس هي المتغيرات الثلاث التي تقوم على أساسها معادلات التنمية والتقدم والتحرر للمجتمعات البشرية.

فبقيمة العمل وبقيمة التعليم وبقيمة الجنس يمكن لمجتمع أن يؤسس جهاز مناعة يحميه من السير باتجاه عكس الزمن ويحميه من الاهتراء والتشتّت والذوبان. وما حال الدول العربية والإسلامية في هذا الزمن هو خير مثال على ما يمكن أن يصيب أي مجتمع بشري لا يحترم هذه القيم الثلاث.

وما حدث في حرب إسرائيل على غزة هو صورة لما ينتظر كل من يعوّض قيمة العمل بالتّواكل على الله، ويعوّض قيمة التعليم بالتّعاليم الربّانية الغيبويّة الميتولوجيّة المهدمّة للذات البشرية، ويعوّض قيمة الجنس بجعله آلة دوس لكيان المرأة واحتكارها للممارسات الحيوانية وللخدمة ولتكون كذلك آلة طيّعة للتّفريخ من أجل تحقيق الانفجار السكاني للانتصار على أعداء الله بأجساد عارية وعقول لا تفكر إلا في الغزو والحرب والجهاد.

أحاديث نسوية -3 سأجمع فيها قدرا من الشواهد على الجذور التي ترتوي منها شجرة التخلف والاعتلال والمرض في مجتمعنا التونسي الذي طالته العدوى.

هذا المجتمع الذي وبإرادة سياسية في بداية الستينات خطى خطوات هائلة في طريق التنمية والتقدم، إلا أنه وبعد عقود استيقظ الفيروس الإسلامي في جسده.

أمّا السبب في ذلك هو ليس سببا واحدا بل قائمة من الأسباب والتي لا تتصدرها "السلطة السياسية ". فأنت بامكانك أن تنتقد أي نظام سياسي في هذا العالم لتشكك في كفاءته وحتى في مشروعيته، وتبرهن على تسلطه وعمله المباشر أو غير المباشر على إعادة إنتاج الفروق الاجتماعية بل وتعميق الهوة بينها. الا أن هذه السلطة السياسية ليست قائمة بذاتها أو نزلت من السماء. إنها تجسيد لإرادة ورؤية شعبية لمفهوم السلطة ولدورها ولمقاييس ومعايير شرعيتها.

فكفانا بحثا عن " أسباب بديلة " تشرع للركود والبلاهة والانتهازية...


عندما تفرغ المرأة عملها من قيمته!


حضرت منذ أيام حفل تكريم لزميلة أحيلت على التقاعد. وقبل الموعد المحدد لهذا الحفل بأسبوعين تقريبا، حاول الزملاء الذين أشرفوا على إعداده الاتصال بأكبر عدد ممكن من الزملاء والزميلات الذين عملت معهم هذه الزميلة في وقت سابق. وبالطبع فحفل التكريم أقيم بالمؤسسة التي تعمل بها حاليا.

وجاء يوما الاحتفال، وبالتنسيق مع بعض الزملاء والزميلات توجهنا إلى مكان الحفل، ويا ليتني ما كنت هناك!

أول من استقبلنا عند الدخول كان زميلا مكلفا بتوجيه القادمين إلى القاعة المخصصة للحفل وهذا طبيعي، ولكن أن يشير عليك أين يجب أن تجلس في مناسبة كهذه، فهذا أول ما دعاني إلى الاستغراب! فقد قسمت القاعة الفسيحة إلى نصفين: النصف الأمامي خصص بالطبع للرجال والنصف الخلفي هو للنساء، كما هو الحال في أماكن العبادة عند المسلمين دون غيرهم من البشر ! وفي احتفالات الأعراس في الأرياف! وكأنه من العيب والغير أخلاقي أن يجتمع ويختلط مربين ومربيات في مكان واحد دون أن يكون الشيطان والجنس المحور الرئيس للتواصل بينهم.

وجلست إلى جانب زميلات لم ألتقي بهن منذ سنوات عديدة، وبمضي اللحظات الأولى المخصصة لاستعراض ذكريات مضت لأحداث ومواقف رسخت في البال ،وإذا بالزميلة التي من أجلها حضرنا تقول: " لو كنت تزوجت من رجل ميسور الحال ماديا لما تركت بيتي طيلة هذه السنوات ، فالحاجة إلى المال لتربية أبنائي ومساعدة زوجي في نفقات البيت هو السبب الوحيد الذي جعلني، بعد إنهاء تعليمي وزواجي، أترك بيتي لالتحق بالتعليم من أجل المرتب لا غير ! "

فردت عليها زميلة لا أعرفها لتقول: " والله والله أنا أحسد النساء أللوات لا يعملنا، فهن معززات مكرمات لدى أزواجهن، ولا يتحملنا ربع أو خمس ما نتحمله نحن النساء العاملات من شقاء وعناء: فهن يقمنا بأعباء البيت ومراقبة الأولاد ويجدنا الوقت الكافي لمشاهدة المسلسلات ! "

فقلت لها :

" ألا تشعرين بقيمة دورك في الحياة كمربية من ناحية لشخصك ومن ناحية أخرى للمساهمة في تنمية المجتمع الذي تنتمين إليه ؟ ألا تحبين عملك ؟ ألا ترين وأن التعليم هو مهنة محورية للتقدم الاجتماعي ، أوليست مهنة مقدسة؟ "

فأجابت وهي تكاد تختنق من شدة الضحك وقالت:

" يا ناري يا أختي ! هو أنت مازلت تتصور وأنوا التعليم مازال على الأقل يوكل الخبز؟ قدكشي مازلت تحلم ، أعطيك مثالا ،فأنا وزوجي ندرس في المؤسسة وندرّس في البيت كامل أيام الأسبوع ولدينا ولدان في سن الدراسة ولا نملك إلى اليوم وبعد 14 سنة عمل بيتا يأوين ! "

وتكلمت سيدة تنتظر في يوم السعد يوم تنهي سنوات الخدمة لتتحصل على راتب التقاعد لتقول التالي :

" نحن أمة أسلامية جعل فيها الله الرجال قوامون على النساء وهل تردن يا ...ب أكثر من ذلك راحة وصونا لكرامتنا كنساء ونحن على ذمة رجالنا الي همّا أكبر وأعظم سترة للنساء ، وجعل جنة المرأة تحت أقدام الزوج فما عليكن يا نساء الإسلام إذا أردتن ضمان الجنة إلا أن تشبعنا أزواجكن من الأكل ومن الجنس والباقي كلام زايد! وهما أشنوا صنعوا الدول المتقدمة، كلهم مثلنا يأكلون ويمارسون الجنس وينامون ثم يموتون وما يبقى سوى وجه الله مالك هذا الوجود! ".

فتقدمت سيدة وهي تلتفت إلى من هم حولها وكأنها ستقول سرا خطيرا لتهوي برأسها بيننا وتقول :" تهم حتى في الفرش يفدّدوا ويطلعوا الروح، لو كنت رجلا لوريتكم يا نساء آش معناها جنس أما الله غالب ربي خلقني مرى. أستغفر الله ! أستغفر الله ! أستغفر الله ! أنتم النساء ديما جرتكم تهز للغلط ، توّ ترصيلي على هلكلمتين الي قلتهم نصوم 3 أيام وهات ربي يغفرلي ! "

للحديث بقية

عدت إلى البيت وبحلقي "غصة " ولم أجد في ذهني سوى عبارة تتردد من دون وعي مني وهي التالية : " سرقت مني هذه النسوة كل السنوات التي قضيتها معهن ، هن سرقن ذكرياتي معهن، سرقنا إيماني بمهنتي ، سرقن إيماني بشباب المستقبل ، سرقن شغفي ولهفتي للتحرر والتنمية والتقدم لمجتمع له كل مقومات النجاح والتقدم ، سرقن الأمل من روحي ..." .

ندمت لحضور ذلك الحفل، وبعد مرور أيام من الحداد واليأس هاأنا أدون وسأدون وأدون لأخلق الأمل في نفسي وفي عقول نساء أخريات مثلي لان الصمت هو الخنوع والرضوخ و الموت. ولن أموت حتى أقول كل ما لدي،ولست في حاجة لكي أكون مفكرا أو أديبا أو كاتبا أو ... كي أستعرض وأنقد ما لا يعجبني في مجتمعي العليل !

jeudi 8 janvier 2009

غزة رهينة بارادتها الانتحارية

مرّة أستغرب ومرّة لا أستغرب.
فماذا أستغرب ؟ وماذا لا أستغرب؟
ما أستغربه هو ثورة الشعوب العربية والاسلامية وحماستها "المضحكة" وخروجها للتظاهر في الشوارع هاتفة ب "الموت لاسرائيل " و "بالروح بالدم نفديك يا غزة ". في حين أن هذه الشعوب هي تفيق وتنام على الذل والمهانة والتركيع والتجويع والترهيب وهي على حالتها تلك لا تتجرأ لتنطق ب " كلمة" واحدة تعبر بها عن سخطها وعدم قبولها لحالها: "كرامة مسلوبة " و " وعي في الحضيض" و... انها لا تتجرأ حتى على ممارسة الضغط على حكوماتها من أجل تغيير قانون أو اجراء أو وضع معين من أوضاع الذل المتفشي في هذه الدول ولاجيال متلاحقة ولا يزال الامر مستمرا على ما يبدو.

كما أستغرب أيضا لماذا يتعاظم الشعور الانساني و الشعور بآلام الآخر فقط عندما يتعلق الامر ب "عرب " و " مسلمين " ولا نرى هذا الشعور عندما يتعلق الامر بظلم يقع على طائفة أو شعب غير عربي أو غير مسلم. أريد أن أفهم ، لماذا يا عرب؟ لماذا يا خير أمة أخرجت للهمجية وللارهاب؟

انهم لا يكترثون للامر وكأنهم أي الشعوب الاخرى هي من كوكب آخر أو من جنس لا ينتمي الى الجنس البشري. هل الغير مسلم هو من جنس الحيوان كما يقولون عن اليهود " أحفاد الخنازير والقردة. "هذا ما يحدث لعقول بشرية تملك وعيا ميتولوجيا للواقع وتحاول جاهدة أن تركّبه على واقع لم يعد للميتولوجيا مكان فيه.
فهل من يبحث عن شيء في مكان هو غير موجود في ذلك المكان هل هنالك ولو احتمال ضعيف أو لنقل أمل للعثور عليه في ذلك المكان؟

وأعود الى واقع هذه الشعوب العربية المسلمة والغبية لينتفي الاستغراب ويترك المكان لصور الواقع الذي وعلى مرارته علينا التعامل معه بمحاربته في كل لخطة من حياتنا، فالصبح ليس بقريب للاسف.

1- الواقع في حرب غزّة : واقع جعل من حركة أصولية وصلت الى السلطة عبر أرقام صناديق الاقتراع وليس عن طريق الروح الديمقراطية، فعبر ديمقراطية " مطية" و " باردة " و" بلا روح " وصلت حركة ارهابية مشروعها الوحيد ليس التحرر الوطني ولكن تأسيس دولة اسلامية برعاية الاخوان المسلمين .فشعب غزة "المسكين" الذي وبكل سذاجة - سذاجة المؤمن بأن لا غالب له بما أن الله معه - سذاجة التصور الضيق بأن الدولة هي "عصابة و سطو " تحتكم الى منطق القوة وليس الى منطق المواطنة والمشاركة والبناء والبحث الدائم للتقدم للجميع ، هاهو هذا الشعب اليوم يدفع الثمن : تدمر البيوت فوق ساكنيها والجميع وبدون استثناء هو " هدف للابادة " وبنية تحتية "محروقة" كل هذا وشعب غزة يواصل الدعاء وينتظر الجند الذي سيبعث بهم الله لنصرتهم على " أعداء الله " . أهنالك بساطة عقول وسخافة و نذالة من حركة تأخذ شعبها كدروع بشرية و تقول وبكل وقاحة وأنها لن تستسلم حتى ولو أبيدت غزة بالكامل؟ أهذا منطق و قوة سياسيو أم عسكرية أم عناد ومكابرة الضعيف العاجز على الاعتراف لنفسه وأنه ينتحر ويقود الجميع للانتحار الجماعي ؟
أن غزة هي بداية النهاية للقضية الفلسطينية و للعرب وللمسلمين جميعا والجميع يعرف كم يتعجل هؤلاء القوم "الشهادة " للفوز ب "الجنة " الموعودة.

2- ان الواقع يحتم علينا وبكل أريحية الاعتراف باسرائيل كدولة
والتعامل معها وليس العكس لانها بالفعل دولة ولها كل مقومات الدولة الحديثة الديمقراطية ، الدولة التي تنهض بشعبها وتحترمه وتحسب له حساب .والا ، فدمار غزة سيلحق من بعده دمار العرب والمسلمين جميعا ولن يطول الامر لقرون.
فصراع المصالح الدولية قادر على محو العرب من الخريطة وبالفعل وليس بالكلام. فالبحث عن الحياة والتقدم والعزة والكرامة يحتم على الجميع تغيير رؤيته للواقع بأكثر واقعية ومن دون عنجهية الذي "كذب كذبة على الناس ومن تكرارها أصبح هو نفسه مصدقا بها الى حد الايمان المطلق بصدقيتها."

3- أخيرا أقول لمثقفي العرب والمسلمين وعلمائهم وفقهائهم يكفيكم تحقيرا ولعبا بعقول البشر.
ان أكثر من يدعون الثقافة هم أميين أمية " حضارية " فهم وطبقا لتعاليم التربية العربية والاسلامية التي لا يبرحون " عباءتها" لا علاقة لهم لا بالفكر ولا بالثقافة ولا حتى بالوجود
.

vendredi 2 janvier 2009

غزة أم غباء

منذ بداية الحرب على غزّة وأنا أبحث بداخلي عن مبرّر مقنع لمناصرة مواطني غزة، على الأقل من الناحية الإنسانية، إلا أنني وفي كل يوم يمرّ أزداد قناعة وأنها حرب سعت إليها حماس ومناصريها في الدّاخل وفي الخارج بكل غباء سياسي ونضالي.



1- "ما يجري في غزة حرب حقيقية، حرب بلا أخلاق بلا قيم، بلا مبادئ، حرب تجاوزت كل الأعراف وكل القوانين وكل المبادئ والشرائع الأرضية والسماوية، إنها حرب إبادة يتعرض لها الشعب الفلسطيني، حرب حقيقية تستهدف كل شيء على الأرض، قتل مركّز للمدنيين، حرب استخدمت فيها كل أنواع الأسلحة ولم تستثنِ شيئًا وتستهدف الصغير قبل الكبير والمدني قبل العسكري، ومع ذلك فإن جبهتها الداخلية صلبة وقوية، وغزة وشعب غزة سيخرجون بسلام وأمن وبقوة واقتدار بإذن الله".

هذا ما قاله إسماعيل هنية رئيس الحكومة المقالة في غزة في خطاب بثّ مساء الأربعاء وسمّى هذه الحرب: ب "حرب الفرقان ".


إن تغيير الوضع في غزة هو قرار إسرائيلي وليس فلسطيني. و بالتالي، أن يقول السيد إسماعيل هنية وأن الوضع قبل الحرب الحالية سيختلف عن الوضع بعدها هو كلام ملاحظ ومتفرج ومعلق وليس كلام من يصنع الحدث.

فحماس هي التي استدعت إسرائيل وحرّضتها وقادتها وتوسلتها لكي تتصرف وفقا لمسؤولياتها كدولة عليها القيام بواجب حماية مواطنيها وإلا تنتظرها الإقالة.

إن قوله وتكراره لعبارة " حرب حقيقية " لدليل على أنه مصدوم ولا يصدق ما يحدث، فهو كالطفل الذي حشر نفسه في صراع ولم يتصور مدى خطورته أو مدى ما عليه من مسؤولية في ما أقدم عليه بإرادته وطواعية. فهو من الهول يصرخ ويصيح ويتوسل الله العون واللطف و المساعدة والغوث.


إنها يا سيد هنية " الحرب" التي أردت أنت وكل من ناصرك وهلل لك.


يقول أيضا:" حرب بلا أخلاق بلا قيم". سؤالي له : " ومتى كان للحرب أخلاق وقيم؟" انك تتكلم لمجرد الكلام والخطاب والاستعطاف ولعب دور "الضحية " أمام العالم. ولكن من هو هذا العالم الذي تخاطبه ومن المحتمل أن يسمعك؟ سأقول لك من هم: إنهم الجماهير الغبية للشعوب العربية والمسلمة الفقيرة والجائعة والمضطهدة والأمية والتائهة على وجه الأرض لا مكان لها ولا زمان. فقط هي وجدت في حربك معنى للحياة، فلا معنى لحياة المسلم الا في الحرب والموت والشهادة .


2- ما أذهلني وجعلني أوقف بحثي عن مبرر لمناصرة مواطني غزة هو قول السيد إسماعيل هنية وأنه كما نصر الله محمد أيام الهجرة فهو سينصر الغزاويين ب" جنود غير مرئية " جنود ربما سيبعث بهم الله لتحارب في مكان جنود حماس ليردعوا الجيش الإسرائيلي ويلقنوه درسا لن ينسوه، أليس هذا ما تقصده يا سيد هنية ؟



3- وفي اليوم السادس للحرب قامت الأرض ولم تقعد في الإعلام الغبي عن استشهاد الدكتور " نزار ريان " و زوجاته الأربعة وأبنائه التسعة.

وهنا كانت دهشتي واستغرابي عندما عرفت وأن الدكتوراه المزعومة هي شهادة دكتوراه في "الحديث النبوي " .

إنني أسأل أهل العلم :

" ما هو تعريف العلم عند هؤلاء القوم؟

هل للعلم تعريف خاص عندما ندخل ديار العرب والمسلمين؟"

vendredi 26 décembre 2008

أحاديث نسوية - 2

أحاديث نسوية هي مواقف وصور وآراء لنساء تميزن عن غيرهن بقدرتهن على ترجمة وفضح وتعرية البنية الفكرية لمجتمعاتنا العربية الإسلامية (يتم ذلك بالطبع عن غير وعي أو نقد لدلالات ما يتفوهن به) . هن نساء من فئات اجتماعية مختلفة ، يمكنك أن تصادفهم كل يوم ويمكن أن تكون ممن يتعايش معهم من دون الاكتراث لما يحملونه من قيم وأفكار وتصورات هي في الحقيقة تمثل أعمدة الفكر الذي يجر إلى الوراء ويشرّع للاستلاب والقمع والخنوع والذل والمهانة وكل صور الجهل والتخلف .
هؤلاء النسوة على قدر ما صدمتني مواقفهن على قدر ما حفزتني لتسجيل وتدوين ما يمكن أن نراه عاديا في حين أنه لا يتطلب منا جميعا سوى إعمال العقل بعيدا عن كل المفاهيم البتراء مثل الخصوصية الثقافية أو الأصالة أو غيرها من أشكال قتل الفكر والإنسانية في الإنسان.
وقد يتصور البعض وأنني سأركز وأقتصر في تدويناتي على صور "احتقار المرأة " في مجتمعاتنا لذلك أقول وأنني سأكوّن بهذه التدوينات "باقة " تتكون من عناصر ثقافتنا التي بتفاعلها أصبح التخلف والجهل جزء لا يتجزأ من "العادي" و "الطبيعي" و "المقبول" اجتماعيا وسياسيا وتربويا واستشرافيا.

أحاديث نسويّة -2
عندما يطغى اللاوعي على وعي في حالة "غيبوبة"
كنت أستعد لمغادرة المؤسسة التربوية أين أعمل حين استوقفتني زميلة أعرفها منذ سنوات. وهي شابة في الثلاثينات من العمر وليست محجبة وكثيرا ما تعتني بمظهرها على الرغم من بدانتها.
يومها استوقفتني وأنا لا أزال في بهو الطابق الأول، فبقينا نتحدث ونحن نشرف على الساحة. وإذا بزميلة أخرى تركب سيارتها وتستعد للخروج، بدأت في السير إلى الخلف لتأخذ اتجاه باب الخروج. إلا أن زميلة ثالثة وهي التي كانت تتحدث معها ، كان ابنها يختبئ من صديقه وراء السيارة.
عندها صحت أنا والزميلة التي برفقتي لتوقيفها وللانتباه إلى وجود ابن الزميلة الذي ارتطم وسقط أرضا.
خلاصة ما حدث هو أن الزميلة التي كانت بسيارتها وبالرغم من عدم تفطنها لوجود أحد وراء سيارتها، كانت تسير بتروي وأوقفت سيارتها على الفور.
وبعد أن التحقنا بهم وسط الساحة واطمأن الجميع على ابن الزميلة . استقلت زميلتنا سيارتها واستعدت للخروج. وإذا بالزميلة التي كنت برفقتها تتوجه بالنصح والأمر والإفتاء للاثنتين، أي صاحبة السيارة والأم التي تعرض ابنها للحادثة، وتقول حرفيا : " يلزمكم الزوز تخرجوا خبزة خبزة صماة اليوم قبل المغرب، وكان ملقيتوش على شكون تصدقوها هزوها للجامع وفرقوها على المصلين وهما داخلين للصلاة." وهو ما معناه : يجب أن توزع كليكما خبزة على الفقراء – صماة – وان لم تجد فقيرا تتصدق عليه بتلك الخبزة فما عليكما سوى توزيعها على المصلين وهم يهمون بالدخول إلى الجامع للصلاة.
هذه الكلمة "صماة " هي ليست بغريبة عني، إلا أنني لم أسمعها منذ 30 سنة تقريبا.
عندها تعمدت السؤال عن الحكمة من مثل هذه العادة. فأجابتني بما لم أكن أتوقعه أبدا، وهو التالي: "انت وخيتي لا دين لا ملاة ولهذا مكش باش تفهم شمعناها واحد يشكر اللاه عن كوْنو نجّاه من مصيبة." وهو ما معناه: - أنت وبما انك ملحدة ولا تنتمين إلى أية طائفة فليس بإمكانك فهم ماذا يعني أن يتقرب شخص إلى الله ويشكره على اللطف به في مصيبته-
أريد أن أشير إلى أن علاقتي بهذه الزميلة جدّ طيبة وأتقبل منها في عديد المرات الضحك على الاختلاف الذي بيننا في مسألة الدين، فلم أكن أغضب منها ولا هي كذلك تغضب مني، ولكن في هذا الموقف شعرت بشيء مختلف وكأنها كانت على مستوى من الجدية والإيمان عند ردها لدرجة وكأنها تقول لي إن الموقف لا يحتمل لا الهزل ولا التغاضي على إلحادك وقبوله.
ونتيجة لمثل هذه المواقف والصور، فأنا لا أصدق أبدا "مسلما" عندما يقول لي وأنه يؤمن بالاختلاف أو أنه يؤمن بالأخر أو انه يحترم حقوق الإنسان ...... وهات من هاك الحديث إلي ما وراه كان حاجة واحدة وهي وصوله الى مبتغاه ومن بعد – كلام آخر
كما أنني أتساءل كيف يمكن لمربية كزميلتي هذه أن تتمتع بالكفاءة المهنية وتربي أجيالا على احترام الآخر وقبول الاختلاف وتنمية الفكر النقدي والعلمي وغرس روح الخلق والابداعي في ذهنية التلاميذ من دون أن تحشر القيم الدينية ، ان لم يكن في ثنايا الدرس فهو بالضرورة في مواقفها وفي كل ما هو غير لفظي لديها وهو ما لا يمكن أن يخفيه أي خطاب ولا قدرة لاي الزام اداري على توجيهه ومراقبته؟
فأين الحلقة المفقودة يا ترى؟



-

mercredi 17 décembre 2008

أحاديث نسويّة -1

" أحاديث نسويّة " هو عنوان استنسخته عمدا وقصدا وقياسا على عبارة لطالما استفزّتني وهي عبارة : " أحاديث نبويّة " .

قد يسأل أحدكم لماذا هذا الاختيار؟ ولماذا هذا العنوان ؟

ومن هم النّساء اللواتي سأنقل أحاديثهنّ ؟

وماذا سيكون محور ومحتوى هذه الأحاديث ؟

وماهو الهدف والمغزى، وما هي الحكمة من نقل وتسجيل وتدوين أحاديث نسويّة ؟

لن تكون الاجابة عن كل هذه الاسئلة اجابة فورية في هذه التدوينة، بل سأجيب عنها تباعا في كل مرّة أكتب فيها تدوينة عن "أحاديث نسوية " وذلك سيكون على الأقل مرة في الشهر.

أمّا السؤال الذي سأجيب عنه الآن هو : " ما هي الدوافع التي ، وعلى الرغم من ظروفي العائلية والشخصية التي يحاصرني فيها الوقت باستمرار، فرضت عليا هذا المشروع ، نعم انه مشروع .

الدوافع:

أ – منذ الطفولة والى يومنا هذا ، وأنا أوشك على نهاية العقد الخامس من العمر، لا زالت تتزاحم في ذهني وعقلي وفكري وغضبي و... وذلك في الوعي وفي اللاوعي جملة من المشاهد والمواقف والصّور والتجارب والمعايير والقيم والعادات والعبارات و الانتاجات والمفاهيم و ... التي تصب كلها في خانة واحدة وهي " إذلال المرأة " لأنها "أنثى" .



ب – إيماني وأنه لن يحرر المرأة من هذا الذل والاستعباد سوى وعيها بذاتها وثورتها المستمرة من أجل بناء ذات تصان فيها كرامتها وإنسانيتها .



ت – كما أنه من المستحيل للشعوب المتخلفة، والتي من ضمنها الشعوب العربية والإسلامية، أن ترى نور الحياة من دون العمل على تغيير وعي الإنسان و وعي المرأة لكي تقوم بدورها الانساني والاجتماعي والمدني والحضاري من دون عراقيل وموانع وقيود ومعطلات ... .



ث – أن أجعل من أساليب التواصل اللفظية وغير اللفظية التي تعترضني في حياتي اليومية منطلقا للحوار والنقاش العقلاني مع القارئ: أولا مع ذاته وثانيا مع الآخر وثالثا مع الواقع والتاريخ ورابعا مع معنى الوجود من عدمه .

إنني سوف لن أبحث عن هذه الوضعيات ولن أنتقيها بل هي التي ستفرض نفسها بما ستقدمه لي وللقارئ من كشف لما ينطوي عليه المخيال الشعبي من جهة والفردي من جهة أخرى من تصورات تؤسس لقيم وممارسات لا ولن ترقى إلى درجة الإنسانية والأخطر يتمثل في أنها تزج بالجميع في مسار مسدود في آخره إرهاب وعنف وتخلف وجهالة وتعصب و... .

أول تدوينة سأخصصها للموقف الذي قادني إلى بلورة هذا المشروع.


ذهبت صباح الثلاثاء الماضي إلى المستشفى وهناك كما يعلم الجميع يطول الانتظار ويتسلى المرضى ومرافقيهم بالأحاديث.

النسوة وكأنهن يجدنا في ذلك المكان وذلك الزمان الفرصة للتشارك في همومهن ومتاعبهن ، فيتحدثن عن أزواجهن وأبنائهن وعن الحلال والحرام وصور العقاب الالاهي ... والغريب وأنه في المرة الوحيدة التي صادف أن شاهدت سيدة تقرأ في كتاب كانت امرأة شابة في سن الثلاثين متحجبة وتقرأ في كتاب ديني حول الأدعية المستجابة للمرأة المسلمة، أما المرة التي شاهدت فيها سيدة تشتري جريدة يومية لتتصفحها ، فقد احتارت ولمدة دقائق طويلة في كيفية قصّ الصفحات اللاصقة في بعضها إلى درجة وأنها مزقت البعض من صفحاتها.

صادف وأن جلست بجانب سيدتين في سن والدتي وكانتا تتحدثان عما تعانيه هاتان السيدتان من متاعب جراء العناية بأحفادهن أثناء غياب أبنائهن وأزواجهن للعمل. وفي أثناء الحديث عن متاعب ومسؤوليات الأم التي لا تنتهي بزواج الأبناء ، بل وتتواصل إلى العناية بالأحفاد ، ردت سيدة جالسة بالجوار لتقول حرفيا ما يلي: " أحنا النساء نولدو لولاد باش ناكلو خبزة في جرّتهم ." ( بالعربية – لمن لا يفهم اللهجة التونسية - هي قالت ما معناه : نحن النساء نقوم بإنجاب الأبناء لكي نتحصل ونستحق لقمة العيش أي الخبز.)

عند سماعي لهذه الجملة بالذات توقف عقلي عن التفكير ولم أستطع أن أستوعب وأن هناك من البشر ومن النساء تحديدا من ، وبعد تجربة حياة كاملة، تعتبر نفسها في مرتبة " الحيوان " .

الإنسان عندما دجن الحيوان كان يهدف إلى الاستفادة من لحمه وجلده وحليبه و استغلال تكاثره لإنماء ثروته الحيوانية .


والمرأة التي صادفت، وسمعت رأيها في دور المرأة في الحياة، والذي لخصته بجملة واحدة بقيت ترنّ في أذني هي ليست امرأة في المفرد بل هي مثال حي لأنموذج لبنية فكرية تنظم وتقود حياة نساء كثيرات في مجتمعنا، ولو نظرت حولك لوجدت سيدة من حولك تنتمي إلى هذا الأنموذج وبالتأكيد لا أحد منا يزعجه الأمر أو يعتبره غير طبيعي لان هؤلاء النسوة ببساطة تربطنا بهن علاقات اجتماعية وروابط أسرية تجعلنا نتقبل الأمر كواقع لا حول لنا ولا قوة في مجرد التفكير في تغييره. لماذا ؟؟؟؟؟