" لماذا تقدم الغرب وتأخّرنا نحن المسلمون؟"
مثّل هذا السؤال تحديا للعرب والمسلمين منذ قرنين، وانبنت حوله حركات نهضويّة بأبعادها الفكرية والتّنظيمية وباتجاهاتها السلفية والتحديثية.
في واقع تزامن فيه التخلف والجهل مع الاستعمار الغربي، مما أحدث مفارقة تقضي من جهة بمقاومة المستعمر ومن جهة أخرى تفرض الانفتاح على حضارة هذا الأخير والأخذ بعوامل الحداثة والفكر التّنويري ووسائل التقدم العلمي والاقتصادي.
في هذا الواقع ولد الطاهر الحداد سنة 1899بتونس العاصمة. و بما أنه من جنس الذكور، توفرت له فرصة الدراسة بالكتّاب أين يكاد ينحصر التعليم في تحفيظ القرآن وتعليم القراءة والكتابة. ثم التحق بالجامعة الزيتونية أين كانت طرق التدريس لا تختلف عما كانت عليه منذ قرون، فنظام التعليم في مطلع القرن التاسع عشر ظل محافظا على طابعه العربي الإسلامي الديني التقليدي على الرغم مما ادخل عليه من إصلاحات.
ومن داخل المنظومة الدينية، أدرك الطاهر الحدّاد وأن تحرير المجتمع من التخلف والاستعمار معا لا سبيل إليهما في حال تغافلنا أو أجّلنا أو
قفزنا على النهوض بالحياة الفكرية دحرا لقيم وعادات بريء منها الدين ،وفقا لمنظوره، فيقول : "إن الإصلاح الاجتماعي ضروري لنا في عامة وجوه الحياة. وعلى الخصوص ما كان منه متعلقا بوجودنا في الحياة. وقد رأينا بعين اليقين أن الإسلام بريء من تهمة تعطيله الإصلاح. بل هو دينه القويم و منبعه الذي لا ينضب. وما كان انهيار صرحنا إلا من أوهام اعتقدناها. وعادات مهلكة و فضيعة حكمناها في رقابنا." هكذا تحدث الطاهر الحداد في مقدمة مؤلفه الذي خصّ به المرأة : "امرأتنا في الشريعة والمجتمع" واضعا به حجر الأساس والمرجعية الفكرية للمشروع الحداثي التونسي. هذا المشروع الذي تمثل المرأة إحدى دعائمه الأساسية.
إن الحداد في قراءته للقسم التشريعي حول مواقف وأحكام الإسلام من المرأة ومكانتها في المجتمع بين بالكاشف وأن التغيير هو المبدأ الذي انبنى عليه الإسلام وان أحكامه قابلة للتطور وفقا للزمن والعقليات لان ما هو وارد في الإسلام ليس إلا تقريرا لواقع الحال، ويقول في هذا المجال: " في الحقيقة إن الإسلام لم يعطنا حكما جازما عن جوهر المرأة في ذاتها. ذلك الحكم الذي لا يمكن أن يتناوله الزمن وأطواره بالتغيير. وليس في نصوصه ما هو صريح في هذا المعنى."
أما في القسم الاجتماعي من مؤلفه فقد قدم الحلول العملية لما سبق تناوله نظريا في القسم الأول. وأهتم بالخصوص بوجوب تعليم الفتاة وتثقيفها، كما ثمن عزيمة وإصرار الفتيات والنساء التونسيات على اثبات ذواتهن وذلك في مجال الإنتاج الحرفي والصناعي قائلا: " وكثيرا ما تكون مصاريف البيوت السنوية قائمة على هذا العمل النسوي الذي يكفي فيه القليل من راسمال ابتداء ثم هو ينمو بسرعة مناسبة للسوق بينما يستند كثير من الرجال إلى حيطان المنازل يقضون الوقت في لعبة الحصاة والنواة أو يتلهون بالحديث الفارغ."
أما فيما يقوله حول الحجاب فهو حداثي أكثر من معاصرين يرفعون شعارات حول الحريات والحقوق الإنسانية ولا يرون مانعا أو عنفا أو إذلالا في حجاب المرأة،فيقول: " ما أشبه ما تضع المرأة من النقاب على
وجهها منعا للفجور بما يوضع من الكمامة على فم الكلاب كي لا تعض المارين. وما أقبح ما نوحي به إلى قلب الفتاة وضميرها إذ نعلن اتهامها وعدم الثقة إلا في الحواجز المادية التي نقيمها عليها. ونلزمها هي الأخرى أيضا أن تقنع بما قررنا راضية بضعفها إلى هذا الحد، موقنة بخلوده الآتي من أصل تكوينها." ؟؟؟؟؟؟؟؟
فبالنسبة لهذا المصلح الشاب، لا يمكن لنا بناء جيل واع ومتحضر إلا بإصلاح وتغيير وضع المرأة من أساسه. فدعا إلى المساواة في الإرث للارتقاء بوضع المرأة واعتبارها إنسانا كاملا. كما عارض الحداد سلطة الرجل على المرأة داخل العائلة، باعتبار أن لهما نفس المسؤولية تجاهها. أما فيما يتعلق بعمل المرأة، فيعتبره الحداد من جهة هو وسيلة لتحريرها من الوصاية المسلطة عليها ومن جهة أخرى هو المنفذ الوحيد والمنطقي لتطوير المجتمع وتقدمه وإرساء دعائم وأسس الحداثة.
هذه هي إجابات الحداد عن سؤال كل العرب والمسلمين حول أسباب تقدم الغرب وتخلفهم الواضح والمذل للإنسان وللمواطن على حد السواء رجلا كان أم امرأة.
اتهم الحداد من قبل الجهات الرجعية والأصولية بالزندقة والإلحاد وجرد من شهادته العلمية.
وفي السابع من ديسمبر 1935 توفي الحداد ، وواصل التونسيون النضال من اجل الاستقلال حتى نالوه سنة 1956 و جسموا المشروع الحداثي التونسي بإصدار مجلة الأحوال الشخصية في نفس السنة و التي تضمنت أفكار ومواقف وروح طليع حداثتها الطاهر الحداد ....